شعر

المركز الثقافي العربي، بيروت / الدار البيضاء 2009

من قصائد الديوان: “قصيدة يوميات الحزن بجدة”

إلى روح والدي الذي لن يموت..

 

على ضفّة البحر الأحمر

يكنسُ ذيل عباءتي السّوداء

بقايا عاصفة رملية

وترفض الطّرحة أن تستوي

على جبين أردْتَهُ

عالياً

عارياً

كشمس الظّهيرة

يقول أحد المارّة

“غطّي شعركِ يا حُرْمَه”

قلتُ:

لقد دفنتُ غطائي عندكم

وأفردتُ الرّوحَ

للرّيح

……..

عند انبلاج فجر

غير منتظر

بين حشرجتين

وغصّتين

أحطّ

كنورس حزين

بمطار جَدّة

يقول الجمركيّ

من سيستلمكِ يا حُرْمَه؟

قلتُ لنفسي

ما استلمتني  يوما غير نفسي

…..

أركض

كهارب

نحو المستشفى العسكري

حيث لا سلاح

إلاّ الصّبر

لسكون اللّيل

دويُّ الألم

مُسالمٌ أنت

بين مُحترفي الحرب

مُمَدّدٌ

في انتظار هُدنة

…..

بين الهنا والهناك

معلّقان

من تلابيب النّبض

يَعُدُّ السّكون من حولنا

أنفاسنا

نفسا

نفسا

هل من معجزة

تنفخ في رحمي

فتولد من جديد

أنت الوالدُ

الصّامدُ

على فراش المِحن

…..

أتلمّس شعيرات رأسك

أنت الذي

مشّطت طفولتي

بأنامل من حرير

تفتح عينا

على الفراغ

أتذكرني

وهل تُدفيك

حُمّى ارتعاشي

حين أقبّل يديك؟

…..

أقرأ عليكَ

سورة مريم

يا من ماتت

في عشقه النّساءُ

ثم أبدأُ

في سرد قصتنا معا

لعلّ الذكرى

تنفع المؤمنين

بينما أمَسّجُ القدمين

التي سرتُ

على خطاها

…..

تدخل الممرضة الآسيوية

بخمار أبيض

تتعثرُ

في ابتسامة مُفتعلة

نتبادل

نظرات مُثقلة

بسؤال الوجود

تعتذر عن الإزعاج

للوداع

حميمية الحب

…..

أنظر إليك

أراك لأول مرّة

عاريا

سوى من كبرياء الألم

ما أقساني

أيكفي العلم درعاً

أمام حيائك؟

…..

لا تخجل منّي

سوف أنسى يوم تقومُ

كلّ أنّة من جسدك

سوف ترتدي

جلبابك الأبيض

وسوف أزغردُ

يا عريس جدّة

يوم تنهض

وسوف نهزأ

من القدر

وسوف..

وسوف..

وسوف..

….

وسوف

يهزأ منّا القدر

…..

على ضفّة البحر الأحمر

ينخر ملح عرقي

عباب الجسد

والموت بارد

ولا يدٌ

تلمّ حبّات عقد

من فرط وحدته

انفرط

…..

على ضفّة البحر الأحمر

ترنّ هواتف

وترقص أخرى

للنّعال وقع جيوش

وللأسرى

أساوِرَ من ذهب

وأنا

كسّرتُ قيودي

يوم وُلدتُ

وجعلتُ كَفني

ورقا أبيض

….

كيف يستقيمُ

بعدك الحرف

وفي سجنكَ

تحرّرَتْ كلماتي؟

…..

على ضفّة البحر الأحمر

حيث لا موج

لا بحّار

لا مدّ

ولا جزر

بحيرات صامتة

كوجوه تحت حجاب

نساء تنظر من خلفِ سوادٍ

ورجال ترى ما خلفَ السّوادِ

وأنا البريئة

من كلّ انتماء

كيف تستفزّني

الصّحراءُ

ولي في كلّ حبّة رمل

رثاءُ؟

…..

هل يكفي موتٌ

لدفن الذاكرة ؟

ومتى رمّم الثلج

شروخ الجبل ؟

هُطولنا السرّي

يجرفنا

ويعجز التّرابُ

عن إخماد

صدى

اقترافنا للحياة

للقبر

أبواب موصدة

وأخرى

لوحدها

ترتطم

ترتطم

ترتطم

…..

على ضفّة البحر الأحمر

يكنس ذيل عباءتي السّوداء

بقايا عاصفة رملية

بينما

ككلّ اليتامى

أجرُّ الأقدام حافية

يقول أحد المارّة:

“احتشمي يا حُرْمَه”

قلت:

دع عنك ذنوبي

إنّي كفيلة بها

أتقاسمها بسخاء

مع من رضي الله عنهم

…..

عند الغروب

أحطّ كحطام

بمطار الدار البيضاء

زادي منك:

طقم أسنان اصطناعية

نظارة طبية

وحُقَنٌ من الأنْسُولين

ويحهم

لقد سرقوا منك

تذكرة العودة

وجواز السفر

…..

كسُنبلة

يأتيها النّدى

ساعة الحصاد

أمتصّ آخر رشفة

ودونما اعتذار

أستجدي السّماء

لخطيئة أخيرة

…..

من بؤرة ذاكرتي المُعتمة

يطلّ كالشروق محيّاك

يُعيدني

لرحم الدّفء

حيث أغراضكَ العاديّة

طقوسا، قدسية

وأنا الرّاهبة

الممتنّة

التقيّة

أصلّي

لكي تظلّ خطيئتي

وأظلّ العصيّة

…..

تُخيّمُ

على كلّ سبيل أخذتُهُ

وكأنّكَ وجْهتهُ

فاتحة نَصّبتني

فلم أغلقتَ الكتاب؟

تَبكيكَ كلّ النّساء

بداخلي

ورجال أحببتُهم فيك

أيتام

…..

على ضفّة البحر الأحمر

ودّعتك بما يليق بمُرْشِدٍ

وأنشدتُ مع أطفال

حملوا نعشك

برعونتهم:

 لا موت سوى موت الحبّ

 أنا لن يموت أبي.

 

جدة، فبراير 2006