مسارات بصيغة المؤنث

الشاعرة فاتحة مرشيد

 

طفولتي كان فيها شيء من حنان الثدي وشيء من ألم الفطام

اخترقن جدار الصمت، ورسمن أشكالا وصيغا جديدة لوجودهن. نساء بأحلام مشرعة على المدى، وبطموح لا حد له في أن يكون التميز دليل هويتهن لكل واحدة تجربتها الخاصة، ولكل تجربة سبلها الفريدة، نساء تختلف اهتماماتهن وتتنوع مسارات حياتهن، يجمعن عشقهن للوطن وتوحدهن تلك الرغبة الجامحة في أن لا يكون مرورهن في الحياة عابرا. نفتح هذه الزاوية لمعرفتهن أكثر وللاقتراب من عالمهن الحميمي.

 

حاورتها:  ليلى الوادي

 

س: كيف تقدمين نفسك للقراء؟

ج: باختصار شديد أقول: فاتحة مرشيد، شاعرة تمتهن طب الأطفال، زوجة وأم لطفلين.

 

س: ماذا تعني لك الطفولة بصفة عامة وطفولتك على وجه الخصوص؟

ج: الطفولة هي الدهشة الأولى، والوجع الأول. هي أول اصطدام بالآخر، وإن بدا عابرا فهو  يحدد علاقاتنا اللاحقة بمحيطنا وبأنفسنا. هي ذاكرة تصاحبنا طوال حياتنا. بعضنا ينفيها لكي يكبر وبعضنا يكبر بها.

أما عن طفولتي الخاصة،  فقد كان فيها شيء من حنان الثدي وشيء من ألم الفطام.

شيء من البراءة وشيء من الوعي المبكر بأمور الحياة.

 

س:شاعرة وطبيبة أطفال ما هي العلاقة بين الطب و الشعر. وماذا يعني لك الشعر؟

ج: الشاعر إنسان يمكنه أن يمتهن أي مهنة يعيش من خلالها بكرامة. وربما ما يفسر  تواجد العديد من الشعراء الأطباء عبر التاريخ، هو كون الطب من أقرب المهن للشعر. فالطبيب يتعامل مع الآلام الإنسانية، الجسدية منها و النفسية، والكتابة تتغذى من الآلام  والمعاناة الإنسانية أيضا. وكثيرا ما يأخذ المشرط شكل القلم، وربما ينجح القلم حيث أخفق المشرط.

أما عن ما يعنيه الشعر بالنسبة لي، فكي لا أبتعد كثيرا عن الطب سأقول ما قاله  ميركا كارتارسكو :” الشعر أنبوبة أوكسجين. أثناء الغوص يمكن كتم النفس لفترة قصيرة، لذلك فنحن بحاجة إلى أنبوبة أوكسجين حتى نغوص إلى داخلنا بأمان”

الشعر يمكنني من أخذ نفس جديد كلما ضاق نَفَسي.

 

س: إلى ماذا يعود اختيارك لطب الأطفال كاختصاص؟

ج: كمجمل اختياراتنا، اختياري لطب الأطفال كاختصاص لم يكن عفويا. ربما فيه نوع من الثأر لطفولتي الخاصة، ربما لضعفي أمام آلام الأطفال، ربما لكون الذات الشاعرة داخلي ككل ذات مبدعة تقتات من جسم الطفولة،  فالشعر هو الفن التعبيري الأقرب إلى الطفولة.. طافح مثلها بالتلقائية و الانفعال.

 

س:الطرف الآخر ماذا يشكل في حياتك؟

ج: يقول جون بول سارتر “الجحيم هو الآخرون” وأضيف و الجنة كذلك.

الطرف الآخر هو مرآة نتعرف من خلالها على ملامحنا الخاصة، نكتشف أنفسنا في الآخر وعبره. هو سبب سعادتنا وألمنا الدفين. وهنا تكمن ضرورته في حياتنا.

 

س: ماذا يعني لك الحب؟

ج: أكاد أقول دون مبالغة يعني لي الحياة. إذ ما قيمة حياة بدون حب.

الحب قيمة تسمو بالبشر إلى أعلى مدارج  الإنسانية. تجعله أجمل وأنبه وأكرم وأطيب وأحن… تجعله أحسن مما هو عليه. تعطيه القدرة على رؤية الجمال وعلى التعايش و التسامح.

وبما أننا تكلمنا عن الطفولة. فأود أن أركز على كون الطفل يحتاج لكي يتمتع بنمو طبيعي (جسدي و نفسي) و متوازن، موازاة مع الغداء، إلى الحب. يحتاج أن يسمع منا كلمة حب، لا يكفي أن نحس، بل يجب التعبير عن عاطفتنا وإن كانت تبدو بديهية. ثقافتنا و للأسف مبنية على كتم مشاعرنا، نجد الآباء يخجلون من قول “أحبك” لأطفالهم. يؤمنون لهم كل احتياجاتهم المكلّفة إلا هذه الحاجة التي لا تكلّف شيئا و تعطي الكثير.

 

س: صدر لك ديوان أول بعنوان “إيماءات” لماذا إيماءات؟

ج:قلت بعد قليل أن ثقافتنا مبنية على كتم مشاعرنا. هي ثقافة إيماءات وليست ثقافة بوح، وأنا لم أنجُ من تأثيرها على أول تجربة لي. ديوان “إيماءات” يجسد مرحلة من حياتي كان لابد أن أتصالح معها كي أتجاوزها وأتجاوز عبرها الإيماء.

 

س: في معرض الشعر و التشكيل الذي أقيم بمناسبة المهرجان العربي للشعر بالرباط في شهر ماي المنصرم، عرض الفنان أحمد جاريد عملا تشكيليا ( لوحة وكتاب فني) اشتغل فيه على نصوص شعرية من ديوانك الذي سيصدر قريبا “ورق عاشق” كيف عاشت الشاعرة تجربة التشكيل هاته؟

ج: كانت تجربة رائعة، جعلتني ألمس حدود اللغة وأحلق في فضاء التشكيل الذي يمنح حرية أكبر ومساحة أرحب للتعبير.

و أنا أقف لأول مرة أمام لوحات الفنان أحمد جاريد التي أبدعها متشبعا بقصائد من ديوان ” ورق عاشق ” وجدتني أمام كلمات أنجبتها يوما فإذا بها قد نضجت، أخذت لونا وشكلا، وتزينت لتصبح أبهى مما عرفتها عليه… كأن الفنان أحمد جاريد منحني سلما لكي أرقى إلى كلماتي.

 

س: مشاريعك الشعرية المقبلة؟

ج: سيصدر قريبا ديوان ” ورق عاشق” وأفضل أن نأجل الحديث عنه لحين خروجه إلى النور.

 

 

س: فصل الصيف أهو فصل مميز بالنسبة لك؟ ما هي قراءاتك الصيفية؟

ج: نعمة أن تكون الفصول أربعة، فكل فصل مميز بالنسبة لي.

ميزة الصيف تكمن في كونه يسمح لي بالتواصل أكثر مع أسرتي الصغيرة خلال السفر.

أما البحر فعشقي له يجعل حاجتي إلى محاكاته ضرورية لا تأبه بالفصول.

بالنسبة لقراءاتي الأدبية الصيفية فهي لا تختلف كثيرا عن قراءاتي خلال السنة. وإن كنت غالبا ما أخصص فترة العطل لإعادة قراءة كتب أحببتها. فثمة كتب تحتاج لقراءات متعددة تخرج منها كل مرة بشيء جديد.

 

 

جريدة “الاتحاد اللاشتراكي”، العدد 7265، 2 يوليوز 2003